عيد
الحب
في عيد الحب، تركت زوجها في المستشفى، ارتدت سترة
حمراء فاقعة، على بنطلون أسود، وغطت وجهها بالماكياج اللافت للنظر، وصففت
شعرها بطريقة مختلفة توحي بأنها ذاهبة الى موعد غرامي لا الى عمل. كانت تود
أن توجه رسالة لا يمكن أن يخطئها أحد من الحضور، لكن كثيرين لم ينتبهوا
الى الجهد الذي بذلته السيدة الشقراء، لكي تستحق بعض النظرات واللفتات، أو
على الاقل بعض التقدير.
كانت تريد أن تترك الانطباع بأنها جاءت تحمل
مشاعر الحب، أو المودة والصداقة، وكانت ترغب في أن يكسر مظهرها الخارجي،
الذي لا يتلاءم مع دخولها في الستينيات من العمر، حاجزا نفسيا عاليا يفصل
بينها وبين البيئة المحافظة التي تزورها، والتي لا تعتبر عيد الحب جزءا من
تقاليدها ولا من تراثها، ولا ترى في الأحمر سوى لون الدم، وهي بيئة لا
تحتوي أصلا على الكثير من الالوان المتنوعة، وكانت في الماضي تتعامل مع
الكلمات، وباتت اليوم تفضل التعامل بالارقام وحدها.
باءت محاولة السيدة
المخضرمة في عالم الأضواء والإعلام بالفشل. بالكاد لاحظ مستقبلوها ذلك
الربط المصطنع بين زيها وعيد الحب. ما اضطرها، في المساء، حيث يفترض أن تطل
على الملايين من الناس، الى التخلي عن اللون الأحمر الفاقع، وارتداء سترة
سوداء داكنة، تحتها بنطلون وقميص لا يقل عنها سوادا، ونزعت المساحيق عن
وجهها، فعادت الى شكلها الطبيعي بلا تكلف ولا افتعال، وعادت الى طريقتها في
الكلام التي لا تخلو من الفظاظة والاستفزاز.
وقفت السيدة هيلاري
كلينتون مساء الاحد في القاعة الرئيسية لمنتدى الدوحة «أميركا والعالم
الإسلامي»، وقفة لا تمت الى الجنس الآخر بصلة. ألقت كلمة مطولة على مدى ما
يقرب الساعة، استعادت خلالها تعابير وجهها القاسية وابتسامتها التي تميل
الى اللون الأصفر، الذي يخفي بعض السخرية أو حتى الازدراء. قالت إنها سعيدة
وفخورة بوجودها هناك، لكن المظهر الذي اكتسبته والنص الذي ألقته لم يكونا
ينبئان بالسعادة ولا الفخر.. ما عدا تلك المحطات التاريخية التي استعادتها
من العلاقات الأميركية مع عدد من الدول العربية والإسلامية من المغرب الى
الخليج.
وكعادتها، انتهزت المناسبة التي يفترض أنها لرأب الصدوع بين
العالمين، لكي تتصرف كمعلمة مدرسة توجه تلاميذها الصغار، الذين كانوا قد
تلقوا قبل ساعات من كلمتها رسالة من الناظر، باراك أوباما، حول أهمية
التربية والتعليم والمعرفة في نشوء الأجيال الجديدة وتطورها، ومركزية
الانترنت في الربط بينها وبين بقية أطفال العالم. وجهت السيدة الفاضلة بعض
تعابير الثناء على بعض الإصلاحات والتطورات في العالم الإسلامي، لكنها
سرعان ما رفعت السوط وانهالت به على الجميع لأنهم لا يساعدون العراق على
إنجاح ديموقراطيته، ولا يساهمون في إخراج أفغانستان من مأزقها، ولا يعملون
مع إيران على تعميق أزمتها، ولا يمدون يد العون الى إسرائيل في أعمالها
الخيرية الهادفة الى إقامة دولة فلسطينية.
ثم غادرت السيدة كلينتون
القاعة مسرعة، تحاول أن تزيل بقعة حمراء ظلت عالقة على ثيابها.