abedalrahman.dameer
المدير العام
الدوله : فلسطين اللقب : ابومحمد نوع الاشراف : مدير عام تاريخ التسجيل : 10/12/2009 رساله sms : •·.·`¯°·.·• أمل مشرق لغد جديد •·.·°¯`·.·•
| موضوع: حتى نكون شعباً ضاحكاً خفيف الدم! الثلاثاء فبراير 09, 2010 1:35 am | |
|
حتى نكون شعباً ضاحكاً خفيف الدم!
عندما يضحك واحدنا ملء القلب والفم، ويجرؤ عن تجاوز حاجز الابتسام، فإنه كثيراً ما ينعت بأنه "خفيف". ليس في الوزن "على القبان" بالطبع، وإنما لأنه سقط عن حبل الاتزان، وأسقط معه "ثقله" الاجتماعي لأنه ضيّع جدّيته، أو "فقد عقله" مؤقتاً.
ولأنه ليس بيننا من يحب أن ينعت بالخفة، فإننا نعتصم بالعبوس. لكن هناك، مع ذلك، استثناء من هذه التهمة: شخوص الشرائح "العليا"، حيث تعتبر ضحكة الشخص "المهم" أو الثريّ أو المسؤول، منتهى التواضع والكياسة، وتلطفاً يتلقفه الناس "العاديّون" من حوله بفرح طفل. وربما يشعرون "بمعيته" برخصة لممارسة نوبة ضحك موجزة، بينما يريقون "الدم" بكرم على "خفة" صاحب الشأن لتكون: "خفة دم".
ما الذي يجعل كاتباً في صفحة جادة يترك كل الهموم اليومية، والقضايا "الدسمة" التي تحفّ بزاويته، ويعبث مع الخفة والعبوس، ومع طبع ثقافي فينا حيّر الكاتبين؟ ببساطة، لأننا نقف حائرين أمام حالة ملحوظة: اشتداد هجمة حالة الملل والنكد علينا.. فهل من منكر؟! أعتقد بأن ذلك موضوع دسم، ويومي، وبالغ الجدية. ونكاد نسمع الشكوى نفسها تقريباً في عبارات الناس الذين نقابلهم يومياً ونعرف أنهم ليسوا نكدين بالجينات، وأن الكثيرين منهم –ولا أستثني نفسي- يتذكرون أياماً كانوا قادرين فيها على تطيير ضحكة مرفرفة وصافية وبلا خوف من وصمة "الخفة"، لكنهم أصبحوا يعانون غالباً من شيء سأحاول أن أفسره:
في الإنجليزية، يصفون الشخص الذي يعاني مثل ذلك أحياناً بأنه “insecure”، وقد حاولت أن أجد تعبيراً في العربية يصف هذه الحالة بالضبط: "شخص لا يحس بالأمان النفسي"، أو ربما "غير مستقر" بترجمة الصديق الكاتب جهاد المحيسن. ربما. إن معظمنا يشعرون بأنهم "غير مستقرين" لأننا مطاردون بماض خشن، وخائفون من مستقبل غامض، وليس من شيء محدد في هذا المستقبل. مثلاً: من يضمن أن لا يتشاجر مع مسؤوله في العمل، فيجد نفسه غداً على قارعة الطريق؟ ومن يضمن أن لا يباغته مرض ماكر يحتاج علاجه إلى 5 آلاف دينار مثلاً، فلا يجد من يقرضه؟ ومن يضمن أن لا تصادر شقته المرهونة التي اقترض ثمنها، وتباع بالمزاد؟ ومن لا يخشى أن يعقه أبناؤه عندما يشيخ فينتهي به المطاف في ملجأ للعجزة؟ ويمتد حبل مثيلات هذه الأسئلة المقلقة بلا انتهاء. ويصبح هذا الخوف غولاً حقيقياً حين يحس واحدنا، بشكل ما، بأنه وحيد، في جزيرة معزولة!
إن وصمة "الخفة" ترتبط، فيما يبدو، بحس المرء بفقدان أهميته. ولذلك نهرب من الضحك والخفة معاً إلى العبوس حتى لا نقع، فنسكب البقية الباقية فينا من الأهمية. والإحساس بالهامشية هو رفيق "عدم الاستقرار" وأوله ومنتهاه.
ربما يكون سبب "عدم الاستقرار" هو فقدان الغاية، أو القضية، أو ربما الاعتقاد بعبثية البحث عن الغاية أصلاً، والإقرار بخسران القضية سلفاً، لأنها صارت، لكثرة الخيبات، كبيرة على مقاسنا مهما صغرت، ولأننا نخاف من الاشتباك معها وحيدين.
ولا حل لدي! لكنني أقترح على أحد -لا أعرف مَن يكون- أن يجترح لنا غاية وهدفاً جمعياً، وإقناع كل فرد بأنه "مهم جداً" لإنجاز هذا الهدف وخدمة تلك الغاية (ليست هذه الأهمية مجازاً). ويجب الإصرار على ضمّ الجميع إلى كلّ متكافل ومتعالق، يتشارك الحلم والهم، يغرق كله أو يعوم كله، حيث تتمتع كرامة كل فرد بالحصانة، ويركن إلى "عونة" المجموع (على الندهة) وفي كل الأحوال. لكم يحتاج خلق هذه الغاية وهذا الهدف إلى فرط البراعة والعبقرية السياسية والفهم الاجتماعي! عندئذ فقط، ربما ننعم بالاستقرار والاستئناس بالرفقة.
عندئذ فقط، ربما لن يكون بيننا "خفيفون"، وسنصبح كلنا مهمين.. شعباً ضاحكاً، و"خفيف الدم".
| |
|