كفاكم أيها الإخـوة الأعــداء

كفاكم أيها الإخـوة الأعــداء بقلم :
صلاح صبحية

تعيش الساحة الفلسطينية هذه الأيام جدلاً حاداً بسبب تصريحات الدكتور سلام
فياض بشأن تحديد موعد لإقامة الدولة الفلسطينية العتيدة وبشأن عودة
اللاجئين الفلسطينيين إلى أراضي الدولة الفلسطينية ، وقد أخذ هذا الجدل
منحى خطيراً بحيث أضاف إشكالاً جديداً في الساحة الفلسطينية ، وأضاف
إنقساماً إلى الإنقسامات الموجودة على الساحة الفلسطينية ، إنقسامات في
الفكر وفي المفهوم وفي الموقف ، حتى راح البعض يتهم المعارضين لطروحات
د.سلام فياض باتهامات تزيد الانقسام إنقساماً ، والتباعد تباعداً ، وكأنّ
الحقيقة الفلسطينية لا يملكها سوى د سلام فياض وحده ، بل الأخطر من ذلك
اتهام من عارض طروحات فياض بأنّه يعمل في خدمة حماس وما يسمونه بـ (
فلسطين ) ، وكأنّ الساحة الفلسطينية ينقصها الانقسام والتناحر والاقتتال
الداخلي .

في ظل طروحات فياض أصبحنا نسمع تبريرات لها باطلاق مصطلحات مثل
الرجوع إلى جانب العودة ، وكأنّهم يريدون أن يقولوا لنا بأنّ عودة
اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم التي أخرجوا منها عام 1948 يجب أنْ تمر من
خلال الرجوع أولاً إلى أرض الدولة الفلسطينية ، ومن ثم تتم عودتهم إلى
فلسطين المحتلة عام 1948 ، ونسي هؤلاء أنّ قضية اللاجئين الفلسطينيين هي
قضية سياسية وليست قضية إنسانية ، كما نسي هؤلاء بأنّ قضية اللاجئين
الفلسطينيين هي جوهر الصراع العربي الصهيوني .

ونسي هؤلاء ما قاله د. فياض بأنّه ليست لديه مشكلة مع الصهيونية ،
فإذا لم تكن المشكلة والصراع مع الحركة الصهيونية ، فهل مشكلة فلسطين
التاريخية هي فيما بين الفلسطينيين أنفسهم ، هل المشكلة هي بين حركتي فتح
وحماس ، هل المشكلة هي بين الضفة والقطاع ، هل المشكلة الفلسطينية هي صراع
حول السلطة ، أم حول كرايسي الحكم والحكومة والتشريعي ، وهل أصبحت الحركة
الصهيونية بكل ماضيها الإرهابي بحق شعبنا حركة وطنية تمكنت من استرداد حقها
التاريخي في أرض التوراة وبالتالي أصبحت من الجيران الذين من واجبنا
احترامهم ومنحهم الأمن والأمان وعدم الاعتداء عليهم ولو بالسب والشتم ،
وكأنّ المشروع الاستعماري الصهيوني الاستيطاني على أرض فلسطين التاريخية
ليس له وجود إلاّ في مخيلتنا نحن اللاجئين ، نحن أبناء حيفا ويافا وعكا
وصفد ، نحن أبناء الساحل الفلسطيني والجليل والمثلث والنقب ، وكيف يصبح
المستعمر القادم من كل بقاع الأرض يطردنا من أرضنا لنقر له بعد بضع وستين
عاماً حقه بالجيرة والجوار ، يبدو بأنّ هذه المسألة ليست قضية صراع بيننا
وبين الغزاة الصهاينة بل أصبحت مسألة فيها نظر ، فأصبح من الجريمة أن نتهم
الحركة الصهيونية بأنها حركة استعمارية استيطانية ، بل الواجب على الشعب
العربي الفلسطيني أن يتحمل مسؤولية الكذبة الصهيونية وأن نصدّق بوجود
المحرقة التي سنحج إليها عاجلاً أم آجلاً إذا بقينا نبرأ الصهاينة من كل
مذابحهم التي أرتكبوها بحق شعبنا العربي ، من دير ياسين والطنطورة وعين
الزيتون وصفورية وكفر قاسم وقبية ونحالين والسموع ومدرسة رأس البقر وقانا
وفردان وصبرا وشاتيلا وحمام الشط وغزة ومجازر الحرم الإبراهيمي والقدس
والضفة إلى الاجتياحات اليومية التي لم تتوقف يوماً واحداً يتم من خلالها
هدم البيوت وطرد السكان والاستيلاء على الأرض وقتل المواطنين واعتقالهم .

أمام هذه المفاهيم الجديدة التي أتحفنا بها د. فياض لابـدّ لجميع أبناء
الشعب العربي الفلسطيني من وقفة جادة وجريئة ومسؤولة ، وقفة تستدعي تفعيل
اتفاق القاهرة 2005 وتفعيل وثيقة الوفاق الوطني 2006 ، وبعيداً عن كل
الاتهامات المتبادلة بين أبناء الشعب الفلسطيني ، فلم يعد معروفاً من هي
مرجعية الشعب الفلسطيني ، ومن هو صاحب القرار بتقرير مصير الشعب الفلسطيني ،
ومن هو ممثل الشعب الفلسطيني ، فتح أم حماس ، أم هل هو د.فياض ، أم
اللجنة التنفيذية التي وجدها د.فياض بانّ لا حوّل لها ولا قوة فاستغل ضعفها
وهونها ونصّب نفسه ممثلاً شرعياً وحيداً لكل الشعب الفلسطيني .

إننا نعيش أزمة في المرجعية ، وأزمة في التمثيل ، وأزمة في ازدياد الانقسام
والإنشقاق داخل الشعب الفلسطيني ، وكأننا عشقنا الانقسام وأصبح هو
الأوكسجين الذي نتنفسه صباح مساء ، ننام على أزمة ونصحو على أزمة جديدة ،
ولا يوجد بيننا كبير يضرب بعصاه الأرض فترتجف قلوبنا منه وتشخص عيوننا إليه
، ويصيح فينا كفاكم أيها الإخوة الأعداء من ضياع لقضيتكم ووطنكم وتاريخكم ،
انبذوا واقعكم السيء فالعدو لا يفرق بينكم ، العدو يأكلكم واحدا بعد الآخر
، فكل واحد منكم قد أُكل يوم أكل الثور الأبيض ، والآكلون لحمنا أكثر من
أن يعدّوا ويحصوا ، فقد تكاثر الآكلون على جسدنا ،وذلك ليس من قلة فينا ،
ولكن من ضعفنا وتفرقنا ، فلم يحقق أي واحد منا ما وعد به شعبه ، فلم تنتصر
الرايات الصفراء والخضراء والحمراء والسوداء بل انتكس علم الوطن ونسينا أن
للوطن علمٌ واحد به نستظل وعن أرضه ندافع ، فتعالوا إلى كلمة سواء فيما
بيننا ألا نكون إلا لفلسطين الأرض والشعب والوطن والعلم والتاريخ ، ونبتعد
عن العبث بماضينا وحاضرنا ومستقبلنا ، ونشحذ كل الأسلحة المتاحة لنا في
مقاومة المشروع الاستعماري الصهيوني الاستيطاني .
فلسطين – ترشيحا في 8/4/2010 صلاح صبحية

نقلا عن الزميلة الشجرة48 لاهمية الموضوع