العنف ضد المرأة

لابد لنا قبل أن نطلق الأحكام والمواقف المختلفة تجاه هذا المصطلح
(الظاهرة)، أن نقف مراجعين أسبابه ومصادره، وكيف اتسمت الحياة البشرية به،
هل هو دخيل عليها أم أصيل..!؟

إن العنف بكل أشكاله قد لازم حياة المجتمعات الإنسانية منذ بدايتها،
فسبب العنف الرئيسي (طبعاً بعيداً عن الحالات المرضية ذات المنشأ النفسي)،
هو الظلم بكل أشكاله المعروفة.....

فالظلم الاجتماعي المقصود هنا ازدياد نسبة الأمية ومعدل البطالة
وانخفاض مستوى معيشة الأفراد وذلك كله نتيجة فشل السياسات الحكومية التي
تعتمد برامج تنمية غير ناجحة.

والحياة الإنسانية الفردية هي كلٌّ متكامل ولا يمكن تجزئتها أو
اقتطاعها، حينما تُقمع أو تستلب أياً من مكونات ومتطلبات حياة الإنسان سوف
يُصار آلياً إلى خلق وانبعاث منظومة مضادة، تستوطن كيانه، تتغذى وتنمو كنمو
البكتيريا التي تغير مع الوقت وسطها الحيوي وتعيد تشكيله من جديد.

إذاً الظلم يغذي مشاعر الإنسانية والدونية، ويضعف المحاكمة العقلية
الندّية، وباختصار يُخرج من وقعَ عليه الظلم من دائرة الأفعال وردود
الأفعال الطبيعية والتي يمكن فهمها والتعاطي معها بشكل إيجابي.

ومن جهة أخرى فالعنف المادي والنفسي ضد المرأة والأطفال، هو نتيجة
تراكمات قرون طويلة من التربية المجتمعية والتي قامت أساساً على الدمج بين
الأخلاق والحرية الشخصية إلى الحد الذي لا يمكن أن يستوعب فيه المجتمع
الحرية الفردية ما لم تلتزم بأخلاقياته كاملة.

عندما يحرم أفراد المجتمع رجل، امرأة، أطفال، معوقين، من أن يكونوا
أشخاص فعّالين، أحرار، يتمتعون بالمواطنة المصانة بالدستور والقانون، يبدأ
العنف بالظهور ويأخذ طابعاً أكثر قسوة مع وجود الرادع القانوني الذي يكترث
للأخلاق ويأخذ بمفهوم الشرف المادي دون غيره وخاصة بما يتعلق بالمرأة.

إن أهم أسباب العنف ضد المرأة في مجتمعنا هو برأيي :
1- غياب الدستور والقانون المدني الذي يكفل حرية وحق المرأة مع الرجل دون
تمييز (الدستور الأوروبي أو الأمريكي) نموذجاً.
2- الدساتير الحالية تنظر للمرأة على أنها وصية عليها وليست حامية لها.
3- جوهر الدساتير وقانون الأحوال الشخصية الحالي هو مزيج من التوصيات
الدينية التي تعمل على الخلط بين الأخلاق والحرية الشخصية .
4- عدم وجود دور فاعل للمرأة في عملية الإنتاج بالمعنى الحقيقي، واقتصار
دورها على العمل في الشؤون الإدارية والمكتبية.
5- اعتماد المجتمع العربي بشكل عام على دور الأسرة في التربية و بناء الفرد
مما سمح بوجود قانون خفي يعتمد العرف والعادة في تقييم ومحاسبة المرأة.
6- انتشار الآراء الدينية التي عملت على الفهم والتأويل الخاطئين من أجل
شرح ورسم دور المرأة في الحياة .

ومن أجل موضوعية البحث لابد أن نعترف بأن أسباب العنف ضد المرأة
والأطفال والمعوقين هي مركّبة وتتداخل مع بعضها إلى حد التشابه طالما أن
المجتمع ينظر إلى الأسرة على أنها الكيان الأول والأخير الذي يتبنى الفرد،
وفي هذا التبني مخاطرة كبيرة توسّع وتزيد نوعية العنف والظلم .

فإذا كانت الأسرة يحكمها أب وأم متعلميّن أو بمعنى آخر مثقفيّن
ليبراليين فهذا أمر جيد، وإذا كانت الأسرة أمية غير متعلمة فإنها تتبنى
مقولات التربية من الذاكرة الجمعية للأجداد وفي هذا كبح ومراوحة في المكان .

يستطيع أي فرد سواء كان ذكر أو أنثى أن يخرج من هذه الأطر المسبقة
التكوين، ولكن ما هي الفترة الزمنية التي تلزمه للتخلص من رواسب ما حُفر في
ذاكرته ووجدانه !؟.

إن المدنية الحقيقية تكمن في الإيمان الكامل بدور المجتمع (القانون) في
تنشئة وحماية الأفراد (ذكر، أنثى، أطفال، معوقين) وليس ترك ذلك للأسرة
التي لها قوانينها الداخلية والسرية الخاصة .

أما آلية الانتقال من وصاية الأسرة إلى وصاية القانون فذلك بحث آخر
يلزمه دراسة عميقة لجوهر وتكوين المجتمع .